شهر رمضان في العراق.. تقاليد تراثية محببة ينغصها غلاء الأسعار
شهر رمضان في العراق.. تقاليد تراثية محببة ينغصها غلاء الأسعار
ارتفاع الأسعار يجعل رمضان ثقيلاً على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود
تاجر جملة: القفزة الكبيرة في أسعار اللحوم من أكثر ما يضر الأسر المتعففة
المتحدث باسم وزارة الزراعة: فتح باب الاستيراد لضمان السيطرة على الأسعار
المتحدث باسم وزارة التجارة: إطلاق السلة الرمضانية لسد احتياجات المشمولين برواتب الرعاية
العراق- عبد الرشيد الصالح
يحظى شهر رمضان المبارك بأهمية كبيرة عند العراقيين، فإلى جانب كونه فرصة لإبراز الطابع الديني من خلال الصوم والصلاة وإظهار المودة والرحمة تجاه الفقراء، يعد أيضا موسماً لممارسة عادات وتقاليد تعود إلى الموروثات العراقية القديمة.
يفضل العراقيون خلال شهر رمضان تبادل الوجبات والأطعمة بين الأهل والجيران وسكان الحي الواحد، وتبدو الشوارع خلال وقت الإفطار شبه خالية من المارة، لكن المقاهي وشواطئ نهر دجلة في بغداد سرعان ما تمتلئ حتى ساعات السحور، ويتبادل فيها الشبان وحتى كبار السن لعب "المحيبس" و"الدومنة" وغيرها من وسائل التسلية التقليدية.
وفي الوقت الذي يسبق صلاة الفجر تظهر شخصية "المسحرجي الرمضانية" التي لا تختلف عن سائر البلدان العربية، حيث يوقظ شاب من أهالي كل حي سكني النائمين، وهي عادة لا تزال مستمرة على شكل فلكلور تراثي رغم التقدم والحداثة التكنولوجية.
تتميز أجواء رمضان في العراق أيضاً بالروحانية الخالصة، حيث يتوافد العراقيون على المساجد لأداء صلاة التراويح يوميًا على مدار الشهر مع قراءة القرآن الكريم بشكل منتظم يوميًا، وأيضاً زيارة المراقد ذات القداسة الدينية عند المسلمين، مثل مرقدي الإمامين الكاظم وأبي حنيفة في بغداد، فضلا عن مرقدي الإمامين علي والحسين، في النجف وكربلاء.
منغصات خلال رمضان
ورغم أن شهر رمضان يغص بأنواع عديدة من التقاليد الشعبية المحببة، فإنه يعتبر ضيفاً ثقيلاً عند الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، بسبب الارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، وهو ما أثر على القوة الشرائية للمواطنين.
ويقول عدد من التجار في حديث لـ"جسور بوست"، إن "الأسواق تكتظ بالمتبضعين خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، لكن القدرة الشرائية لم تعد كسابق عهدها".
ويقول سيف الأسدي، وهو تاجر جملة في منطقة الشورجة ببغداد، إن "انتعاش الأسواق يرتبط بشكل مباشر بمرتبات الموظفين، فهي تشهد رواجاً وإقبالاً خلال مطلع الشهر، والعكس صحيح مع حلول الأيام الأخيرة من كل شهر، في إشارة إلى موعد تسليم رواتب الموظفين الحكوميين الذين يمثلون معظم القوى العاملة بالعراق".
وتعتبر القفزة الكبيرة في أسعار اللحوم هي أكثر ما يضر بالأسر المتعففة، مع ارتفاع سعر الكيلو الواحد من اللحوم الحمراء إلى 25 ألف دينار عراقي، (ما يعادل 19 دولاراً أمريكياً).
ومنذ شهر يوليو الماضي، أخذت أسعار اللحوم تتصاعد تدريجياً، مع انتقادات للسلطات بشأن عدم السيطرة على الأسعار، لكن الزيادة الأخيرة تجاوزت 5 دولارات على سعر الكيلوغرام الواحد.
وبالمقابل اتخذت السلطات الحكومية عدة إجراءات من بينها فتح استيراد اللحوم لمنع صعود الأسعار والسيطرة على الأسواق.
وقد أدخلت الحكومة العراقية شحنات من اللحوم الأسترالية الحية، من أجل ذبحها داخل البلاد على الطريقة الشرعية، لكن ذلك لم يكن كافياً لإقناع العراقيين الذين يميلون إلى لحومهم المحلية، لاستهلاك هذا النوع من اللحوم.
وتأكيداً على ذلك يقول عدد من أصحاب محال جزارة اللحوم في بغداد التقتهم "جسور بوست"، إن الإقبال على اللحوم المستوردة ليس بالحجم الكبير، حتى إن الفقراء وأصحاب الدخل المحدود يفضلون اللحوم المستوردة المعروفة باسم "اللحم الهندي" على الأسترالي القادم حديثا إلى البلاد.
امتيازات وتسهيلات للمستوردين
وتتحدث الحكومة من خلال وزاراتها المعنية عن جملة إجراءات من شأنها إعادة ضبط الأسواق، وتوفير خيارات عديدة للمواطنين من أجل سد احتياجاتهم اليومية.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية، محمد الخزاعي، لـ"جسور بوست"، إن "أسعار اللحوم والخضار تشهد استقرارا منذ أكثر من سنة ونصف السنة مع معالجة أي ارتفاع يحصل عبر إجراءات سريعة".

ويضيف الخزاعي، إن "ارتفاع أسعار اللحوم خلال الفترة الأخيرة عولج عبر جملة من القرارات اتخذتها وزارة الزراعة بهدف السيطرة على السوق وضمان عدم تأثر المواطن بها"، مبينا أنه "من بين هذه القرارات، فتح باب الاستيراد للأغنام والأبقار، مع تخفيض رسومها الجمركية إلى 50 بالمئة، فضلا عن التشجيع على الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية".
ويشير المتحدث باسم وزارة الزراعة، إلى أن "الإجازة الاستيرادية تُمنح بعد اتباع إجراءات صحية وبيطرية مع اعتماد تقارير دولية لضمان عدم انتقال الأمراض الوبائية"، لافتا إلى أن "استيراد المحاصيل الزراعية يخضع لموضوع العرض والطلب ويخضع للفحص أيضاً".
سلة رمضانية للمواطنين
وتأكيدا على الدور الرقابي، أطلقت وزارة التجارة العراقية بالتعاون مع القطاع الخاص، ومع حلول شهر رمضان، حملة كبرى لرفد الأسواق المحلية باللحوم والدجاج وبيض المائدة، من أجل السيطرة على الأسعار وضمان عدم تأثر المواطنين بتذبذب الأسعار.
وأطلقت الحكومة ما يعرف بـ"السلة الرمضانية" وهي عبارة عن مساعدات غذائية تمنح للعائلات العراقية الأكثر احتياجاً، وتضم مفردات مثل الرز، والعدس، والسكر، والدقيق، والزيت وغيرها من المواد.
لكن الشكوك تثار حول هذا النوع من السلال الرمضانية، بسبب توزيعه بشكل خجول، لا يكفي لسد احتياجات المواطنين.
وبهذا الصدد يكشف المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون في تصريح لـ"جسور بوست"، عن "إضافة مواد غذائية جديدة إلى السلة الرمضانية التي توزع على عموم العراقيين، فضلا عن إضافة مواد أخرى إلى العوائل المشمولة برواتب الرعاية الاجتماعية".

ويضيف حنون، أن "ما تقوم به وزارة التجارة هدفه السيطرة على أسعار المواد الغذائية والارتفاع الذي يحصل خلال شهر رمضان المبارك، ومنع عمليات الاحتكار، لخلق توازن بالأسعار".
وأشار إلى أن "الأجهزة الرقابية التابعة للتجارة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية تنظم بين فترة وأخرى عمليات ميدانية لمتابعة الأسعار في الأسواق التجارية".